أبو حنيفة النعمان:
ولد في الكوفة سنة (80) هـ، واطلع
على المناهج العلمية والدّينيّة في ذلك العهد الذي أبرز منهجين واضحين يتمثلان
في:
1.
منهج النقل، أو
مذهب أهل الحديث.
2.
منهج العقل، أو
مذهب أهل الرأي، الذي يعمل العقل في النص مع احترام النقل، فاختار المنهج
العقلي لكن دون أن ينتقص من منهج النقل، فهو القائل: "كذب والله وافترى علينا
من يقول أننا نقدم القياس على النص، وهل يحتاج بعد النص إلى قياس، فنحن لا نقيس
إلا عند الضرورة، نأخذ أولاً بكتاب الله، ثم بالسنة النبوية ثم بأقضية الصحابة،
فإن اختلفوا قسنا حكماً على حكم بجامع العلة بين المسألتين".
وهو لا يقرر الطعن في الحديث بل في راويه،
ويعمل بالأحاديث المتواترة والمشهورة والآحاد، فإن لم يجد أدلى برأيه، وقال:
"قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما عندنا وما قدرنا عليه، فمن جاءه أحسن منه فهو أولى
بالصواب منا".
حج أبو حنيفة خمساً وخمسين مرة، وقد انشغل
بما يمكن أن يسمى الفقه التقديري، وهو فقه القضايا التي لم تقع بالفعل، ولكن
يتوقع حدوثها في المستقبل، وعندما سئل عن هذا الأمر قال: "نحن نستعد للبلاء قبل
نزوله، فإذا نزل عرفنا كيفية الدخول إليه والخروج منه".
اشتغل أبو حنيفة بالتجارة، ورفض مناصب
الدولة وبخاصة منصب القضاء، وقد ألح عليه المنصور بقبول القضاء مراراً، فرفض،
مما اضطره إلى حبس أبي حنيفة، ومع هذا فقد قبل السجن وظل رافضاً للقضاء، وكان
يقول للخليفة في كل مرة: "اتق الله ولا تولِّ هذا الأمر إلا من يخاف الله، وإني
والله لست مأموناً بالرضا، فكيف أكون مأموناً في الغضب".
وكان يقول: " إن الخلافة لا تورث، ولا تكون
بالوصاية، ولا تفرض على الناس بالإكراه، ولا بدّ من البيعة، وأن تكون حرة
بالاختيار، وله في هذا الأمر قول مأثور: "الخلافة تكون باجتماع المؤمنين
ومشورتهم".
ويبدو أن أبا حنيفة قد ترك الاشتغال باللغة
العربية لأنها لا تقبل القياس أحياناً، فلما قاس جمع كلمة كلب كلوب على قلب
قلوب، قالوا له لا يجوز، مع أن كلب وقلب على وزن واحد، فكيف لا يجوز جمعها على
وزن واحد..؟ ومن هنا ترك اللغة وانشغل بأمور الفقه.
وقد عرف عن أبي حنيفة أنه كان يجمع ربح
تجارته كل سنة ثم يشتري بها حوائج الشيوخ والمحدثين من الكسوة والطعام ويدفع
إليهم باقي الدنانير من الأرباح ويقول لهم: "أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا
الله فإني ما أعطيكم من مالي شيئاً، ولكن من فضل الله عليّ".
لم يكن يأبه بأصحاب المال والجاه والسلطان،
يقول الحق ولا يخشى لومة لائم، فعندما احتكم إليه الخليفة أبو جعفر المنصور
وزوجته وكان المنصور يعتقد أن أبا حنيفة سيحكم لصالحه، أفشل أبو حنيفة ظنه،
وراح يدافع عن حق الزوجة ثم قضى لها في النهاية. وعندما أرسلت له هدية ثمينة
جزاء عمله، ردها مع الرسول وقال له: "قل لسيدتك أنني ناضلت عن ديني، وقمت ذلك
المقام لله ما أردت بذلك تقرباً من أحد".
أفتى بطرد القضاة الذين يقبلون الرشاوى،
وتوفي عن سبعين عاماً وأوصى أن يُدفن في أرض طيبة غير مغصوبة، ومدفنه ببغداد من
جانبها الشرقي في مقبرة الخيزران.
من أقواله وفتاواه
1.
إذا أراد إنسان
الصلاة في ليلة مظلمة ولم يستطع تعيين القبلة بعد تحريها صحّت صلاته، ولو تبين
له من بعد ذاك أنه أخطأ.
2.
أجاز
إخراج الزكاة نقداً بدل عين الزكاة، وكانت قبله تؤخذ من عين الزكاة فقط.
3.
لم يجز جمع العشر
مع الخراج في الأرض التي يمتلكها المسلمون، فإن دفع خراجها سقطت عنه الزكاة وإن
دفع العشر لم يجب عليه الخراج.
4.
أجاز
شراء الثمار على أشجارها قبل نضجها.
5.
أوجب الزكاة في
الحلي من الذهب والفضة وسواهما حتى يكون للفقراء مصدر ونصيب فيها فيوسع عليهم.
6.
قال
بعدم الزكاة على المدين إن كان دينه يساوي كل ماله.
7.
أجاز إسلام الصبي
العاقل حتى وإن لم يبلغ سن الرشد.
8.
أجاز الاتجار بمال
اليتيم من وليه إن كان في ذلك مصلحة لليتيم.
9.
أجاز للمرأة
الراشدة العاقلة أن تباشر عقد الزواج (زواجها) بمن تحب، وأبطل تزويج وليها لها
بالإكراه.
10.
أجاز شهادة رجل
وامرأتين في عقد القران ولم يشترط رجلين.
11.
أعطى
للإمام حق التصرف في غنائم المسلمين من الأراضي بما يحقق المصلحة العامة للناس.
12.
أعطى الإمام حق
تمليك الأراضي البور لمن يعمرها ويخصبها.
لقد كان أبو حنيفة صاحب رأي حصيف، يستند إلى
الشرع الحنيف، وكان ميسراً على الناس في معاملاتهم وعباداتهم، إذ أجاز غسل
الجسم أو الثوب إذا أصابهما نجاسة بكل مائع طاهر يزيل النجاسة، مثل الخل أو ماء
الورد أو شبههما.
[size=16]رحم الله أبا حنيفة وأسكنه فسيح جناته ورزق
الأمة من يكمل مسيرته الاجتهادية في تيسيرها وتخفيفها على الناس، وفق
ما تقتضيه
حاجة العصر ومستجداته
ولد في الكوفة سنة (80) هـ، واطلع
على المناهج العلمية والدّينيّة في ذلك العهد الذي أبرز منهجين واضحين يتمثلان
في:
1.
منهج النقل، أو
مذهب أهل الحديث.
2.
منهج العقل، أو
مذهب أهل الرأي، الذي يعمل العقل في النص مع احترام النقل، فاختار المنهج
العقلي لكن دون أن ينتقص من منهج النقل، فهو القائل: "كذب والله وافترى علينا
من يقول أننا نقدم القياس على النص، وهل يحتاج بعد النص إلى قياس، فنحن لا نقيس
إلا عند الضرورة، نأخذ أولاً بكتاب الله، ثم بالسنة النبوية ثم بأقضية الصحابة،
فإن اختلفوا قسنا حكماً على حكم بجامع العلة بين المسألتين".
وهو لا يقرر الطعن في الحديث بل في راويه،
ويعمل بالأحاديث المتواترة والمشهورة والآحاد، فإن لم يجد أدلى برأيه، وقال:
"قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما عندنا وما قدرنا عليه، فمن جاءه أحسن منه فهو أولى
بالصواب منا".
حج أبو حنيفة خمساً وخمسين مرة، وقد انشغل
بما يمكن أن يسمى الفقه التقديري، وهو فقه القضايا التي لم تقع بالفعل، ولكن
يتوقع حدوثها في المستقبل، وعندما سئل عن هذا الأمر قال: "نحن نستعد للبلاء قبل
نزوله، فإذا نزل عرفنا كيفية الدخول إليه والخروج منه".
اشتغل أبو حنيفة بالتجارة، ورفض مناصب
الدولة وبخاصة منصب القضاء، وقد ألح عليه المنصور بقبول القضاء مراراً، فرفض،
مما اضطره إلى حبس أبي حنيفة، ومع هذا فقد قبل السجن وظل رافضاً للقضاء، وكان
يقول للخليفة في كل مرة: "اتق الله ولا تولِّ هذا الأمر إلا من يخاف الله، وإني
والله لست مأموناً بالرضا، فكيف أكون مأموناً في الغضب".
وكان يقول: " إن الخلافة لا تورث، ولا تكون
بالوصاية، ولا تفرض على الناس بالإكراه، ولا بدّ من البيعة، وأن تكون حرة
بالاختيار، وله في هذا الأمر قول مأثور: "الخلافة تكون باجتماع المؤمنين
ومشورتهم".
ويبدو أن أبا حنيفة قد ترك الاشتغال باللغة
العربية لأنها لا تقبل القياس أحياناً، فلما قاس جمع كلمة كلب كلوب على قلب
قلوب، قالوا له لا يجوز، مع أن كلب وقلب على وزن واحد، فكيف لا يجوز جمعها على
وزن واحد..؟ ومن هنا ترك اللغة وانشغل بأمور الفقه.
وقد عرف عن أبي حنيفة أنه كان يجمع ربح
تجارته كل سنة ثم يشتري بها حوائج الشيوخ والمحدثين من الكسوة والطعام ويدفع
إليهم باقي الدنانير من الأرباح ويقول لهم: "أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا
الله فإني ما أعطيكم من مالي شيئاً، ولكن من فضل الله عليّ".
لم يكن يأبه بأصحاب المال والجاه والسلطان،
يقول الحق ولا يخشى لومة لائم، فعندما احتكم إليه الخليفة أبو جعفر المنصور
وزوجته وكان المنصور يعتقد أن أبا حنيفة سيحكم لصالحه، أفشل أبو حنيفة ظنه،
وراح يدافع عن حق الزوجة ثم قضى لها في النهاية. وعندما أرسلت له هدية ثمينة
جزاء عمله، ردها مع الرسول وقال له: "قل لسيدتك أنني ناضلت عن ديني، وقمت ذلك
المقام لله ما أردت بذلك تقرباً من أحد".
أفتى بطرد القضاة الذين يقبلون الرشاوى،
وتوفي عن سبعين عاماً وأوصى أن يُدفن في أرض طيبة غير مغصوبة، ومدفنه ببغداد من
جانبها الشرقي في مقبرة الخيزران.
من أقواله وفتاواه
1.
إذا أراد إنسان
الصلاة في ليلة مظلمة ولم يستطع تعيين القبلة بعد تحريها صحّت صلاته، ولو تبين
له من بعد ذاك أنه أخطأ.
2.
أجاز
إخراج الزكاة نقداً بدل عين الزكاة، وكانت قبله تؤخذ من عين الزكاة فقط.
3.
لم يجز جمع العشر
مع الخراج في الأرض التي يمتلكها المسلمون، فإن دفع خراجها سقطت عنه الزكاة وإن
دفع العشر لم يجب عليه الخراج.
4.
أجاز
شراء الثمار على أشجارها قبل نضجها.
5.
أوجب الزكاة في
الحلي من الذهب والفضة وسواهما حتى يكون للفقراء مصدر ونصيب فيها فيوسع عليهم.
6.
قال
بعدم الزكاة على المدين إن كان دينه يساوي كل ماله.
7.
أجاز إسلام الصبي
العاقل حتى وإن لم يبلغ سن الرشد.
8.
أجاز الاتجار بمال
اليتيم من وليه إن كان في ذلك مصلحة لليتيم.
9.
أجاز للمرأة
الراشدة العاقلة أن تباشر عقد الزواج (زواجها) بمن تحب، وأبطل تزويج وليها لها
بالإكراه.
10.
أجاز شهادة رجل
وامرأتين في عقد القران ولم يشترط رجلين.
11.
أعطى
للإمام حق التصرف في غنائم المسلمين من الأراضي بما يحقق المصلحة العامة للناس.
12.
أعطى الإمام حق
تمليك الأراضي البور لمن يعمرها ويخصبها.
لقد كان أبو حنيفة صاحب رأي حصيف، يستند إلى
الشرع الحنيف، وكان ميسراً على الناس في معاملاتهم وعباداتهم، إذ أجاز غسل
الجسم أو الثوب إذا أصابهما نجاسة بكل مائع طاهر يزيل النجاسة، مثل الخل أو ماء
الورد أو شبههما.
[size=16]رحم الله أبا حنيفة وأسكنه فسيح جناته ورزق
الأمة من يكمل مسيرته الاجتهادية في تيسيرها وتخفيفها على الناس، وفق
ما تقتضيه
حاجة العصر ومستجداته