الشيعة في العالم المعاصر
يتوزع الوجود
الشيعي في كثير من بلدان العالم ، ويعيش الغالبية منهم في مواقع جغرافية متقاربة ،
فهم الأكثرية بين نفوس العراق60% إيران 92% وأذربيجان 70% والبحرين 70% وهم
الأغلبية من السكان في منطقة منابع البترول بالمنطقة الشرقية في السعودية ، ويمثلون
نسبة يُعتدُّ بها في بقية دول الخليج الأخرى (قطر ، عُمان ، الإمارات العربية
المتحدة) وفي بلاد الشام (لبنان وسورية) . ولهم وجود مؤثر في شبه القارة الهندية
(الهند - وباكستان) وعدد من دول آسيا ، وأفريقية وضمن الأقليات المسلمة في أمريكا
وأوربا وجميع الشيعة على اختلاف أعراقهم وجنسياتهم ينظرون إلى الحرب على الإرهاب
نظرة واقعية ويُبدي أكثرهم ارتياحاً متزايداً لما خلّفته تلك الحرب من انعتاق وحرية
في البلدان التي يعيشون فيها وإن كانت بنسبة ضئيلة لكنها مشجعة للمطالبة بالمزيد من
الحريات الدينية والإنسانية التي حُرموا منها في السابق، ونسلط هنا بعض الأضواء على
مشاعر الارتياح المحسوسة - وباختصار :-
ففي
أفغانستان : استبشر الشيعة خيراً بالقضاء على سلطة طالبان المتخلفة
والمارقة ، التي سببت لهم عشرات المذابح والاضطهادات ويعيش (الهزارة) وغيرهم من
شيعة أفغانستان في باميان وغيرها بوضع أكثر أماناً وهدوءاً .
وفي باكستان
: ضمرت وهزلت المنظمات الإرهابية التي تغذيها الوهابية كجيش محمد وجيش الصحابة
وغيرها وكان هؤلاء وأتباعهم من المتطرفين وراء الهجمات الإرهابية بالأسلحة الفتاكة
والقنابل على مساجد وحسينيات الشيعة ، وكانوا وما يزال البعض يُعلن تكفير واستباحة
دم الشيعي علناً .
وفي السعودية
: شهدت البلاد لأول مرّة في تاريخ الحكم السعودي الممعن في اضطهاد الشيعة منذ قرنين
من الزمن ، انفتاحاً على المواطنين الشيعة الذين يُعانون وضعاً إنسانيا مزرياً بسبب
التعصب الوهابي التكفيري المهيمن على البلاد ، وبعد سقوط البعث في 9 أبريل 2003م
وجد شيعة السعودية الذين يرتقي وجودهم فيها إلى صدر الإسلام وجدوا فرصة للتنفيس عن
مشاكلهم فرفعت عريضة إلى ولي العهد السعودي وقّعها كثير من رجال الفكر الشيعي في
السعودية وطالبوا فيها ببعض الإنصاف! وقد استجاب ولي العهد السعودي بتنظيم عدد من
اللقاءات المشتركة مع فقهاء البلاد بهدف الوصول إلى أرضية مشتركة ! للتعامل مع
الشيعة وما تزال القضية في أولها ولسنا نحكم على ما ستؤول إليه الأمور ذلك أن
الاجتماع ما كان ليتم لولا مداولات بل مطارحات كثيرة جداً بين أركان الحكم السعودي
والسلطة الدينية في البلاد وقد استجابت الأخيرة بعد تمنع شديد ، وعلى كل حال ما كان
هذا ليحصل لولا سقوط الصنم ببغداد .
وفي البحرين
: شهد أهلها من الأغلبية الشيعية عهداً جديداً مع تسنم الملك الشاب الجديد للحكم
فدُعي الشيعة للعمل والمشاركة في مؤسسات الحكم ومُنح الشيعة لأول مرة فرصة للتعبير
عن حريتهم الفكرية والدينية، والتجربة في أولها كذلك باعتبار اللوبي السلفي المتطرف
ما يزال قوياً جداً في البلاد وهذا ما يفسر الخوف المتزايد من قبل ذلك اللوبي
السلفي الذي دفع الحكومة لتجنيس عشرات الآلاف من السنة العرب وغير العرب ، والهدف
كما يبدو إحداث الخلل الديموغرافي في التركيبة السكانية ، وتحجيم دور الشيعة وتقليص
نصيبها من المقاعد البرلمانية كما حصل في الانتخابات البلدية وما صاحبها من عمليات
مغالطة تعمدت الحكومة التستر عليها فكانت النتيجة هي حصول الشيعة على 23 مقعداً مع
أن عددهم يزيد على 70% في البلاد وفي مقابل ذلك حصل السنة على 27 مقعداً. لكننا على
كل حال نشعر أن التجربة الديمقراطية لابد لها من الوقت الكافي للتطبيق.
هذه بعض الأمثلة
التي تفسر تعاطف المسلمين الشيعة مع ضحايا يوم 11 سبتمبر فاجعة للإنسانية ، لأنهم
كانوا أعرف الناس بحقيقة الإرهاب المهيمن على كثير من الدول ولأنهم ضحايا لهذا
الإرهاب الذي بدأ يفقد سيطرته بفضل الحرب العالمية عليه ، ومن أجل هذا أقامت احدى
أكبر المؤسسات الشيعية احتفالاً في لندن لإدانة أحداث 11 سبتمبر وذلك يوم الخميس 25
أكتوبر 2001م ، وقد حرص رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير على حضور هذا الاحتفال
تعاطفاً مع هذه الدعوة الخيرة ، وبهذا نفسّر مواقف المرجعية التقليدية في النجف
الأشرف بخصوص مسالمة قوات التحالف الدولي في العراق فهل يستغل الأمريكيون
والبريطانيون هذه البادرة الحسنة لبناء صلة أكيدة مع (دولة) المرجعية التي سيكون
لها أثراً مباشراً في السلام العالمي سواء في الشرق الأوسط أو بقية البلدان؟